فصل: تفسير الآية رقم (114):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (114):

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)}
الإشارة فيه أن الظالم مَنْ خَرَّبَ أوطان العبادة بالشهوات، وأوطان العبادة نفوس العابدين. وخَرّبَ أوطان المعرفة بالمُنى والعلاقات، وأوطان المعرفة قلوب العارفين. وخَرَّب أوطان المحبة بالحظوظ والمُسَاكنات، وهي أرواح الواجدين. وخرَّب أوطان المشاهدات بالالتفات إلى القربات وهي أسرار الموحدين.
قوله جلّ ذكره: {لَهُمْ في الدُّنْيَا خِزْىٌ وَلَهُمْ في الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
لأهل الإشارة خزي الدنيا بذل الحجاب، وعذاب الآخرة الامتناع بالدرجات.

.تفسير الآية رقم (115):

{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)}
الإشارة منها إلى مشارق القلوب ومغاربها. وللقلوب شوارق وطوارق. وطوارقها هواجس النفوس تطرق في ظلمات المنى والشهوات.
وشوارقها نجوم العلوم وأقمار الحضور وشموس المعارف.
فما دامت الشوارق طالعة فَقِبلْةُ القلوب، واضحة ظاهرة، فإذا استولت الحقائق خَفَى سلطانُ الشوارق، كالنجوم تستتر عند طلوع الشمس، كذلك عند ظهور الحق يحصل اصطلام وقهر، فلا شهود رسم، ولا بقاء حِسِّ وفَهْم، ولا سلطان عقل وعلم، ولا ضياء عرفان. فإن وجدان هذه الجملة صفات لائقة ببقاء البشرية، وإذا صار الموصوف محواً فأنَّى لهم ببقاء الصفة.
قال تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} ما دام يبقى من الإحساس والتمييز بقية- ولو شظية- فالقِبْلة مقصودة، فإن لم تكن معلومة تكون مطلوبة. وعلى لسان العلم إذا اشتبهت الدلائلُ بكلِّ وِجْهَةٍ، ولا معرفةَ بالقِبْلة تَسَاوَتْ الجهاتُ في جواز الصلاة إلى كل واحدٍ منها إذا لم يكن للنية ترجيح.

.تفسير الآية رقم (116):

{وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)}
قوله جلّ ذكره: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ}.
مَكَرَ بهم لم يُفْنِهم- من الإفناء- في الحال، بل جعل موجب اغترارهم طول الإمهال، فنطقوا بعظيم الفِرْية على الله، واستنبطوا عجيب المِرْية في وصف الله، فوصفوه بالولد! وأنَّى بالولد وهو أحدي الذات؟! لا حدَّ لذاتِه، ولا تجوز الشهوة في صفاته.
قوله جلّ ذكره: {بَل لَّهُ مَا في السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ}.
أي ليس في الكون شيء من الآثار المفتقرة أو الأعيان المستقلة إلا وتنادي عليه آثار الحِلْقَة، وتفصح منه شواهد الفطرة، وكل صامتِ منها ناطق، وعلى وحدانيته- سبحانه- دليلٌ وشاهد.

.تفسير الآية رقم (117):

{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)}
البديع عند العلماء مُوجِد العين لا على مِثْل، وعند أهل الإشارة الذي ليس له شيء مِثله. فهذا الاسم يشير إلى نفي المثل عن ذاته، ونفي المثال عن أفعاله، فهو الأحد الذي لا عدد يجمعه، والصمد الذي لا أَمَدَ يقطعه، والحق الذي لا وهم يصوِّره، والموجود الذي لا فهم يقدره. وإذا قضى أمراً فلا يعارض عليه مقدور، ولا ينفكُ من حكمه محظور.

.تفسير الآية رقم (118):

{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)}
كلام الله سبحانه متعلق بجميع المخلوقات بأعيانها وآثارها، وأمر التكوين (يتناول المكلفين وأفعال المكلفين)، لكن من عَدم سمع الفهم تصامم عن استماع الحق، فإنه- سبحانه- خاطب قوماً من أهل الكتاب، وأسمعهم خطابه، فلم يطيقوا سماعه، وبعدما رأوا من عظيم الآيات حرَّفوا وبدَّلوا. وفي الآيات التي أظهرها ما يزيح العِلَّة من الأغيار، ويشفي الغُلَّة من الأخيار، ولكن ما تُغْنِي الدلائل- وإنْ وَضُحَتْ- عمن حُقَّتْ لهم الشقاوة وسبقت؟

.تفسير الآية رقم (119):

{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)}
أفردناكَ بخصائص لم نُظْهِرْها على غيرك؛ فالجمهور والكافة تحت لوائك، والمقبول من وافَقَك، والمردود من خالفَك، وليس عليك من أحوال الأغيار سؤال، ولا عنك لأحدٍ (...).

.تفسير الآية رقم (120):

{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)}
لا تبالِ برضاء الأعداء بعد ما حصل لك رضانا، فإنهم لا يرضون عنك إلا بمتابعة أديانهم، ودون ذلك لهم حظ القتال فَأَعْلِنْ التبري منهم، وأظهر الخلاف معهم، وانصب العداوة لهم، واعلم أن مساكنتهم إلى ما يرضون سبب الشقاوة المؤبدة، فاحرص ألا يخطر ذلك بِبالِك، وادعُ- إلى البراءةِ عنهم وعن طريقتهم- أُمَّتَكَ، وكُنْ بِنا لَنَا، مٌتَبرِّياً عمن سوانا، واثقاً بنصرتنا، فإنَّكَ بِنَا وَلَنَا.

.تفسير الآية رقم (121):

{الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)}
الذين فتحنا أبصارهم بشهود حقنا وَكَلْنَا أسماع قلوبهم بسماع خطابنا، وخصصناهم بإسبال نور العناية عليهم، وأيَّدناهم بتحقيق التعريف في أسرارهم، يقومون بحق التلاوة، ويتصفون بخصائص الإيمان والمعرفة فهم أهل التخصيص، ومَنْ سِواهم أصحابُ الرد.

.تفسير الآية رقم (122):

{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122)}
جرت سُنتُه- سبحانه- في الخطاب مع قوم موسى عليه السلام أن يناديهم بنداء العلامة فيقول: يا بني إسرائيل اذكروا، أي يا بني يعقوب، ومع هذه الأُمة أن يخاطبهم بنداء الكرامة فيقول: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}.

.تفسير الآية رقم (123):

{وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)}
أَمَّا الأعداء فلا يَقْبَلُ منهم شيئًا، وأمَّا الأولياء فقال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا النار ولو بِشِقِّ تمرة»، والكفار لا تنفعهم شفاعة الشافعين فهذا حكم كل أمةٍ مع نبيِّها، وأمَّا المؤمنون- فعلى التخصيص- تنفعهم شفاعة نبيِّهم صلى الله عليه وسلم.
وكلُّ أحدٍ يقول يومئذٍ نفسي نفسي ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم يقول: «أمتي أمتي».

.تفسير الآيات (124- 125):

{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)}
قوله جلّ ذكره: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ}.
البلاء تحقيق الولاء، فأصدقهم ولاءً أشدُّهم بلاء.
ولقد ابتلى الحق- سبحانه- خليلَه عليه السلام بما فرض عليه وشرع له، فقام بشرط وجوبها، ووَفَّى بحكم مقتضاها، فأثنى عليه سبحانه بقوله: {وَإِبْرَاهِيمَ الذي وَفَّى} [النجم: 37]- من التوفيه- أي لم يُقَصِّر بوجهٍ ألبتة.
يقال حملَّه أعباء النبوة، وطالبه بأحكام الخُلَّة، وأشد بلاء له كان قيامه بشرائط الخلة، والانفراد له بالتجافي عن كل واحد وكل شيء، فقام بتصحيح ذلك مختليًا عن جميع ما سواه، سِرًّا وعَلَنًا.
كذلك لم يلاحظ جبريلَ عليه السلام حين تعرض له وهو يُقْذف في لُجة الهلاك، فقال: هل من حاجة؟ فقال: أمَّا إِليكَ فلا.
ومن كمال بلائه تعرض جبريل عليه السلام في تلك الحالة، وأي بقية كانت بقيت له منه حتى يكون لمخلوق فيه مساغ كائنًا من كان؟!
وفي هذا إشارة دقيقة إلى الفَرْقِ بين حال نبيِّنا صلى الله عليه وسلم وحال إبراهيم عليه السلام، لأنه تعرض جبريل للخليل وعَرَضَ عليه نفسه:
فقال: أمَّا إليكَ فَلاَ. ولم يُطِقْ جبريل صحبة النبي صلى الله عليه وسلم فنطق بلسان العجز وقال:
لو دنوتُ أنملة لاحترقتُ.
وشتّان بين حالة يكون فيها جبريل عليه السلام من قُوَّتِه بحيث يعرض للخليل عليه السلام نفسه، وبين حالةٍ يعترف للحبيب- صلوات الله عليه- فيها بعجزه.
قوله جلّ ذكره: {إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِى قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ وَإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا}.
الإمام مَنْ يُقْتَدى به، وقد حقَّق له هذا حتى خاطب جميع الخلائق إلى يوم القيامة بالاقتداء به فقال: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] أي اتبعوا ملة إبراهيم يعني التوحيد، وقال: {وَاتَّخَذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى}.
هذا هو تحقيق الإمامة. ورتبة الإمامة أن يَفْهَم عن الحق ثم يُفْهِمَ الخَلق؛ فيكون واسطة بين الحق والخَلْق، يكون بظاهره مع الخَلْق لا يفتر عن تبليغ الرسالة، وبباطنه مشاهدًا للحق، لا يتغير له صفاء الحالة، ويقول للخلْق ما يقوله له الحق.
قوله جلّ ذكره: {وَمِن ذُرِّيَّتِى}.
نطق بمقتضى الشفقة عليهم، فطلب لهم ما أُكرِم به. فأخبره أن ذلك ليس باستحقاق نَسَب، أو باستيجاب سبب، وإنما هي أقسام مضت بها أحكام فقال له: {لاَ يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ} وليس هذا كنعيم الدنيا وسعة الأرزاق فيها، فهي لا ادِّخَار لها عن أحد وإن كان كافرًا، ولذلك قال جلّ ذكره: {وَارزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ}.
فقال الله تعالى: {وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً}.
يعني ليس للدنيا من الخطر ما يمنعها عن الكفار، ولكن عهدي لا يناله إلا مَنْ اخترته مِنْ خواص عبادي.
أمَّا الطعام والشراب فغير ممنوع من أحد.
أمَّا الإسلام والمحاب فغير مبذول لكل أحد.
قوله جلّ ذكره: {وَإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا}.
واذكر يا محمد حين جعلنا البيت- يعني الكعبة- مثابة للناس إليه يثوبون، ومأمنًا لهم إليه يرجعون، وإياه من كل نحوٍ يقصدون.
هو بيت خلقتُه من الحجر ولكن أضفته إلى الأزل؛ فمن نظر إلى البيت بعين الخِلْقَة انفصل، ومن نظر إليه بعين الإضافة وصل واتصل، وكلُّ من التجأ إلى ذلك البيت أَمِنَ من عقوبة الآخرة إذا كان التجاؤه على جهة الإعظام والاحترام، والتوبة عن الآثام.
ويقال بُنيَ البيتُ من الحجر لكنه حجر يجذب القلوب كحجر المغناطيس يجذب الحديد.
بيتٌ من وقع عليه ظِلُّه أناخ بعَقْوَةِ الأمن.
بيتٌ مَنْ وقع عليه طَرْفُه بُشِّرَ بتحقيق الغفران.
بيتٌ مَنْ طاف حَوْلَه طافت اللطائف بقلبه، فطَوْفَة بطوفة، وشَوْطة بشوطة وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
بيتٌ ما خَسِرَ مَنْ أنفق على الوصول إليه مَالَه.
بَيت ما ربح مَنْ ضَنَّ عليه بشيءٍ؛ مَنْ زاره نَسِيَ مزارَه، وهجر ديارَه.
بيت لا تُسْتَبْعَدُ إليه المسافة، بيت لا تُنْرَك زيارته لحصول مخافة، أو هجوم آفة، بيت ليس له بمهجة الفقراء آفة.
بيت من قعد عن زيارته فَلِعدَمِ فُتَوَّتِه، أو لقلة محبته.
بيتٌ من صَبِرَ عنه فقلبه أقسى من الحجارة. بيت من وقع عليه شعاعُ أنواره تَسَلَّى عن شموسه وأقماره.
بيت ليس العجب ممن بقي (عنه) كيف يصبر، إنما العجب ممن حضره كيف يرجع!
قوله جلّ ذكره: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى}.
عَبْدٌ رفع لله سبحانه قَدمًا فإلى القيامة جعل أثر قَدَمِه قِبْلَةً لجميع المسلمين إكرامًا لا مدى له.

.تفسير الآية رقم (126):

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)}
الأمر في الظاهر بتطهير البيت، والإشارة من الآية إلى تطهير القلب.
وتطهير البيت بِصَوْنه عن الأدناس والأوضار، وتطهير القلب بحفظه عن ملاحظة الأجناس والأغيار.
وطوافُ الحجاج حول البيت معلومٌ بلسان الشرع، وطوافُ المعاني معلومٌ لأهل الحق؛ فقلوب العارفين المعاني فيها طائفة، وقلوب الموحدين الحقائق فيها عاكفة، فهؤلاء أصحاب التلوين وهؤلاء أرباب التمكين.
وقلوبُ القاصدين بملازمة الخضوع على باب الجود أبدًا واقفة.
وقلوب الموحدِّين على بساط الوصل أبدًا راكعة.
وقلوب الواجدين على بساط القرآن أبدًا ساجدة.
ويقال صواعد نوازع الطالبين بباب الكرم أبدًا واقفة، وسوامي قصود المريدين بمشهد الجود أبدًا طائفة، ووفود هِمَمِ العارفين بحضرة العِزِّ أبداً عاكفة..
قوله جلّ ذكره: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا}.
السؤال إذا لم يكن مشوبًا بحظِّ العبد كان مستجابًا، ولم يكن سؤال إبراهيم هذا لحظِّ نفسه، وإنما كان لِحقِّ ربِّه عزَّ وجلَّ.
ولمَّا حفظ شرط الأدب طلب الرزق لمن آمن منهم على الخصوص أجيب فيهم وفي الذين لم يؤمنوا. ولمَّا قال في حديث الإمامة: {ومن ذُرِّيتي} من غير إذن مُنِعَ وقيل له: {لاَ يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ}.